الحديث عن الحرب مع إيران بدا أنه آخذ في الانحسار في واشنطن خلال الأسبوع الماضي. فكعادته، انتقد الرئيس دونالد ترامب بشدة التغطية الإعلامية لخطوات إدارته ضد النظام في طهران، ولكن من خلال قيامه بذلك بدا أنه يحاول تجنب أجندة وضعها مستشاره للأمن القومي جون بولتون. وبعد ذلك، أطلق ترامب يوم الأحد هجوماً آخر من على «تويتر»، محذراً من أن حرباً بين البلدين ستمثل «النهاية الرسمية لإيران».
التصريحات والتطورات جعلت العديد من المسؤولين في واشنطن والعواصم الأجنبية يشعرون بالقلق والتوتر. فيوم الأحد قبل الماضي، حطت قذيفة بالقرب من السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء المحمية في بغداد، مما زاد من مشاعر القلق في العراق – بلد تمتلك فيه إيران نفوذاً كبيرا. كما رُبطت سلسلة من الهجمات التخريبية التي استهدفت ناقلات نفط ومنشآت في المنطقة بإيران، ولكن خبراء لفتوا إلى أنها لم تتجاوز حدا معينا حتى لا تبرر تصعيدا أميركيا. وفضلا عن ذلك، كانت الولايات المتحدة قد أرسلت مجموعة حاملة طائرات وقاذفات قنابل إلى الخليج، ردا على ازدياد التهديدات من القوات الإيرانية وحلفائها على ما يفترض.
وبدلا من ذلك، أثارت أخبار هذه التطورات رد فعل دبلوماسيا سلبيا على إدارة ترامب، حيث دعا حلفاء في أوروبا والشرق الأوسط إلى الحيطة والحذر، مشددين على أنهم لا يرغبون في حرب. واستدعى تهديد واشنطن بالقوة العسكرية تشبيهات مع الحشد العسكري المتهور قبل الغزو الأميركي للعراق في 2003. وبدلا من أن يؤدي إلى تشكل جبهة موحدة للتصدي لدور إيران المثير للجدل في منطقتها، بدا أن الجهود الأميركية لا تعمل سوى على تكريس الانطباع بأنها تسلك طريقا استفزازيا وحيدة.
وكان ترامب قال للصحافيين في الأسبوع الماضي إن إيران لديها «إمكانيات كبيرة» وإنه مهتم بعقد اتفاق معها. ووفق زملائي في «واشنطن بوست»، فإنه وبخ «بولتون»، الذي يعد من عتاة «الصقور»، وقال لمساعدين: «لو كان الأمر منوطاً بهذا الرجل، لكنا في حرب في كل مكان».
غير أن نتائج رسائل ترامب المختلطة لم تتضح بشكل كامل بعد. فمن جهة، يزداد مع الوقت عدم الانسجام الواضح بين الحماس المناوئ لإيران الصادر عن مسؤولين كبار داخل إدارته، ورغبته المعلنة في النأي بالولايات المتحدة عن نزاعات الشرق الأوسط. ومن جهة أخرى، يعبّد موقف ترامب الذي يجنح للتصعيد، وحملة «الحد الأقصى من الضغط» التي تخوضها إدارته ضد إيران، الطريقَ لإمكانية التصعيد وتفجر الوضع.
وفي النهاية، ومثلما قال كاتب العمود بـ«واشنطن بوست» ماكس بوت نهاية الأسبوع الماضي، فإن من يسعى إلى استنباط استراتيجية منسجمة أو عقيدة سياسية وسط هذا الصخب سيصاب بالإحباط.
«لقد أكملنا دورة كاملة، ففي ظل قصر ذاكرة واشنطن الآن، فإنه من الممكن الطعن في مصداقية الاستخبارات، والتناقش حول الخطط الحربية، والتهديد بحرب شاملة، ثم التراجع عن الفكرة برمتها، كل ذلك في غضون أسبوع واحد»، كما كتب «نيك باتون والش» من شبكة «سي إن إن».
«والش» أشار إلى الميول الإيديولوجية لمسؤولين مثل بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، وكلاهما سبق أن دعوا إلى عمل عسكري ضد إيران وتغيير النظام. وكتب يقول: «إنهما يندفعان وهذا الأسبوع يمكنك أن تشعر حقا كما لو أننا في عام 2002 مرة أخرى، ولكن التاريخ يعاد دائما كتراجيديا أكثر منه كمهزلة»، مضيفا «ولكن بعد ذلك تظهر الطبيعة الحقيقية لرئاسة ترامب – القائمة على الانعزالية، وعلى إنهاء حروب حول أماكن لا تفهمها قاعدته الانتخابية ولا تأبه بها».
حالة عدم اليقين لم تعمل سوى على تأجيج المخاوف من صدام كارثي ربما لا يرغب فيه كلا الطرفين في الواقع. وفي هذا الصدد، قالت «إيليزابيث ديكينسون» من مجموعة الأزمات الدولية لصحيفة «وول ستريت»: «إن المنطقة تقف على حافة المجهول، والتصعيد في حد ذاته لن يؤدي إلا إلى خلق أخطار جديدة».
وربما الحرب ليست في الأفق، ولكن غيوما سوداء قاتمة تلوح مع ذلك. وقد أبرزت تطورات الأسبوع الماضي الهوةَ الكبيرة بين إدارة ترامب ونظرائه الأوروبيين، الذين ينظرون إلى الأزمة على أنها نتيجة قرار ترامب الأحادي إلغاء الالتزامات الأميركية تجاه الاتفاق النووي الإيراني.
وقال دبلوماسي أوروبي رفيع، تلقت حكومته إيجازا حول مستجدات الموضوع من بومبيو هذا الأسبوع المنصرم: «شخصيا، أعتقد أن الرئيس الأميركي لا يريد الذهاب إلى حرب، ولكن هذا ليس هو المشكلة»، مضيفا «إن المشكلة هي أن الوضع يمكن أن يصبح في لحظة ما جد متقلب وجد غير مستقر لدرجة أنها تصبح حتمية ولا مفر منها».
*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
التصريحات والتطورات جعلت العديد من المسؤولين في واشنطن والعواصم الأجنبية يشعرون بالقلق والتوتر. فيوم الأحد قبل الماضي، حطت قذيفة بالقرب من السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء المحمية في بغداد، مما زاد من مشاعر القلق في العراق – بلد تمتلك فيه إيران نفوذاً كبيرا. كما رُبطت سلسلة من الهجمات التخريبية التي استهدفت ناقلات نفط ومنشآت في المنطقة بإيران، ولكن خبراء لفتوا إلى أنها لم تتجاوز حدا معينا حتى لا تبرر تصعيدا أميركيا. وفضلا عن ذلك، كانت الولايات المتحدة قد أرسلت مجموعة حاملة طائرات وقاذفات قنابل إلى الخليج، ردا على ازدياد التهديدات من القوات الإيرانية وحلفائها على ما يفترض.
وبدلا من ذلك، أثارت أخبار هذه التطورات رد فعل دبلوماسيا سلبيا على إدارة ترامب، حيث دعا حلفاء في أوروبا والشرق الأوسط إلى الحيطة والحذر، مشددين على أنهم لا يرغبون في حرب. واستدعى تهديد واشنطن بالقوة العسكرية تشبيهات مع الحشد العسكري المتهور قبل الغزو الأميركي للعراق في 2003. وبدلا من أن يؤدي إلى تشكل جبهة موحدة للتصدي لدور إيران المثير للجدل في منطقتها، بدا أن الجهود الأميركية لا تعمل سوى على تكريس الانطباع بأنها تسلك طريقا استفزازيا وحيدة.
وكان ترامب قال للصحافيين في الأسبوع الماضي إن إيران لديها «إمكانيات كبيرة» وإنه مهتم بعقد اتفاق معها. ووفق زملائي في «واشنطن بوست»، فإنه وبخ «بولتون»، الذي يعد من عتاة «الصقور»، وقال لمساعدين: «لو كان الأمر منوطاً بهذا الرجل، لكنا في حرب في كل مكان».
غير أن نتائج رسائل ترامب المختلطة لم تتضح بشكل كامل بعد. فمن جهة، يزداد مع الوقت عدم الانسجام الواضح بين الحماس المناوئ لإيران الصادر عن مسؤولين كبار داخل إدارته، ورغبته المعلنة في النأي بالولايات المتحدة عن نزاعات الشرق الأوسط. ومن جهة أخرى، يعبّد موقف ترامب الذي يجنح للتصعيد، وحملة «الحد الأقصى من الضغط» التي تخوضها إدارته ضد إيران، الطريقَ لإمكانية التصعيد وتفجر الوضع.
وفي النهاية، ومثلما قال كاتب العمود بـ«واشنطن بوست» ماكس بوت نهاية الأسبوع الماضي، فإن من يسعى إلى استنباط استراتيجية منسجمة أو عقيدة سياسية وسط هذا الصخب سيصاب بالإحباط.
«لقد أكملنا دورة كاملة، ففي ظل قصر ذاكرة واشنطن الآن، فإنه من الممكن الطعن في مصداقية الاستخبارات، والتناقش حول الخطط الحربية، والتهديد بحرب شاملة، ثم التراجع عن الفكرة برمتها، كل ذلك في غضون أسبوع واحد»، كما كتب «نيك باتون والش» من شبكة «سي إن إن».
«والش» أشار إلى الميول الإيديولوجية لمسؤولين مثل بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، وكلاهما سبق أن دعوا إلى عمل عسكري ضد إيران وتغيير النظام. وكتب يقول: «إنهما يندفعان وهذا الأسبوع يمكنك أن تشعر حقا كما لو أننا في عام 2002 مرة أخرى، ولكن التاريخ يعاد دائما كتراجيديا أكثر منه كمهزلة»، مضيفا «ولكن بعد ذلك تظهر الطبيعة الحقيقية لرئاسة ترامب – القائمة على الانعزالية، وعلى إنهاء حروب حول أماكن لا تفهمها قاعدته الانتخابية ولا تأبه بها».
حالة عدم اليقين لم تعمل سوى على تأجيج المخاوف من صدام كارثي ربما لا يرغب فيه كلا الطرفين في الواقع. وفي هذا الصدد، قالت «إيليزابيث ديكينسون» من مجموعة الأزمات الدولية لصحيفة «وول ستريت»: «إن المنطقة تقف على حافة المجهول، والتصعيد في حد ذاته لن يؤدي إلا إلى خلق أخطار جديدة».
وربما الحرب ليست في الأفق، ولكن غيوما سوداء قاتمة تلوح مع ذلك. وقد أبرزت تطورات الأسبوع الماضي الهوةَ الكبيرة بين إدارة ترامب ونظرائه الأوروبيين، الذين ينظرون إلى الأزمة على أنها نتيجة قرار ترامب الأحادي إلغاء الالتزامات الأميركية تجاه الاتفاق النووي الإيراني.
وقال دبلوماسي أوروبي رفيع، تلقت حكومته إيجازا حول مستجدات الموضوع من بومبيو هذا الأسبوع المنصرم: «شخصيا، أعتقد أن الرئيس الأميركي لا يريد الذهاب إلى حرب، ولكن هذا ليس هو المشكلة»، مضيفا «إن المشكلة هي أن الوضع يمكن أن يصبح في لحظة ما جد متقلب وجد غير مستقر لدرجة أنها تصبح حتمية ولا مفر منها».
*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»